تعتبر قضية المصافحة بين الجنسين من القضايا القديمة الحديثة التي تطفو من حين لآخر إلى السطح لتعاد إثارتها في كثير من المجتمعات العامة والخاصة.
وفي بعض الأوساط العلمية حيث الفتاوى والمناقشات حول أدلة التحريم أو الإباحة لهذا الفعل .
إن الحديث عن هذا الموضوع وعرض الأدلة الشرعية ليست من أهداف هذا المقال.
فهذا الأمر يمكن ايجاده في كتب الفقه التي في معظمها تحرم هذا الفعل وتعتبره مخالفاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية.
حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يصافح النساء، وأنه نهى عن هذا الفعل بقوله: " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير لكم من أن يمس امرأة لا تحل له" .
أما من أباح هذا الفعل فهم قلة وأبرزهم في العصر الحالي الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي الذي أجازها بشرطين أولها عدم الشهوة وأمن الفتنة.
وثانيها الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة، فقال في هذا المجال: ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة.
مثل الأقارب والأصهـار الذين بينهم خلطـة وصلة قوية، ولا يحسـن التوسع في ذلك، سداً للذريعة، وبعداً عن الشبهة، وأخذاً بالأحوط.
واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط .
من هنا قد يأتي التساؤل عن الهدف من طرح هذا العنوان الآن مع وجود عناوين أخرى أكثر أهمية مثل الجهاد والغزو الفكري والفساد الاجتماعي.
إضافة إلى أن ما يحدث بين المرأة والرجل من تجاوزات اجتماعية تخطت مسألة المصافحة بكثير، وكأننا عند التعرض لمسألة المصافحة نعود بالمسألة إلى نقطة البداية، أو كأننا نتلهى بالقشور ونترك اللب المهم.
إن في هذا الكلام كثير من المنطق وإن كان وجود المشكلات الاجتماعية الخطيرة لا تنفي وجود مشكلات أخرى لا تقل أهمية عنها خاصة أن هذه الأخيرة قد يمكن أن تحدث في مجتمعات مختلفة عن الأولى.
فالحديث عن المصافحة لا يوجه في الغالب إلى من تخطى المصافحة إلى الخلوة واللمسة والقبلة.
وإنما الحديث عن المصافحة يوجه إلى المسلم الذي يؤمن بالله سبحانه وتعالى ويؤمن باليوم الآخر.
ولكنه في الوقت نفسه يتخذ الرخص في موضوع المصافحة، ليس ذلك فحسب ولكن يتهم كل من يخالفه بالتخلف والتشدد والأصولية ... والنقاط التي يشدد عليها لتأكيد موقفه في هذه المسألة ما يلي:
1- الاستشهاد بحديث " إنما الأعمال بالنيات" ، وبما أن نية المصافح سليمة وصافية تجاه الطرف الآخر، ولا وجود لديه للشهوة ولا يخشى الفتنة من وراء ذلك فإنه لا مانع من المصافحة.
والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، إذا كان مثل هذا الشخص قد أمن على نفسه الفتنة وعدم وجود الشهوة فهل يأمن ذلك من الطرف الآخر؟
وماذا يفعل هذا الشخص في حال صادف وجود عدة أشخاص فهل ينتقي من بينهم من تنتفي الشهوة ضده فيصافحه ويترك الآخرين؟
ثم ألا يمكن أن تتبدل النية بعد الملامسة، خاصة إذا حدث أثناء الملامسة ما يستوجب هذا التغيير مثل تلاقي العيون والشد على اليد مثلاً ؟
يقول الدكتور عبد المجيد الزنداني مبيناً أحدث النتائج التي جاء بها علم التشريح الحديث حول ما يحدث أثناء المصافحة بين الرجل المرأة: "إن هناك خمسة ملايين خلية في الجسم تغطي السطح..
كل خلية من هذه الخلايا تنقل الأحاسيس، فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرى بينهما اتصال يثيرالشهوة.
وأضاف علم التشريح: حتى أحاسيس الشم، فالشم قد ركب تركيباً يرتبط بأجهزة الشهوة، فإذا أدرك الرجل أو المرأة شيئاً من الرائحة سرى ذلك في أعصاب الشهوة، وكذلك السماع وأجهزة السمع مرتبطة بأجهزة الشهوة.
فإذا سمع الرجل أو سمعت المرأة مناغمات من نوع معين كأن يحدث نوع من الكلام المتصل بهذه الأمور أو يكون لين في الكلام من المرأة.
فإن كله يترجم ويتحرك إلى أجهزة الشهوة! وهذا كلام رجال التشريح المادي من الطب يبينونه ويدرسونه تحت أجهزتهم وآلاتهم.
ونحن نقول سبحان الله الحكيم الذي صان المؤمنين والمؤمنات فأغلق عليهم منافذ الشيطان وطرق فساده، قال تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ".
ثم إذا كان مقياس الحكم هو أمن الفتنة وسلامة النية، فلماذا لم يصافح الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فهل يمكن لمسلم أن يشك بسلامة نية رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجال؟
يقول الشيخ الصابوني مبيناً هدف الرسول عليه الصلاة والسلام من وراء الامتناع عن مصافحة النساء:"ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يمتنع عن مصافحة النساء مع أنه المعصوم.
فإنما هو تعليم للأمة وإرشاد لسلوك طريق الاستقامة، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الطاهر الفاضل الشريف الذي لا يشك إنسان في نزاهته وطهارته وسلامة قلبه لا يصافح النساء.
ويكتفي بالكلام في مبايعتهن مع أن أمر البيعة أمر عظيم الشأن، فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة مع أن الشهوة منهم غالبة والفتنة غير مأمونة والشيطان يجري فيهم مجرى الدم ؟!".
2- الامتناع عن إيذاء الآخر والتسبب له بالضيق والحرج مما يؤثر على علاقة الطرفين ببعضهما فيما بعد.
وخاصة إذا كان هذا الشخص مهماً أو تجمعه فيه مصلحة شخصية، ومن الحجج التي يتخذها هذا الفريق لدعم موقفه جهل كثير من المسلمين وغير المسلمين بالحكم الشرعي فيما يخص المصافحة بين الجنسين.
فهناك كثير من المسلمين الملتزمين دينياً نساء ورجالاً لا يجدون بأساً في المصافحة مما قد يجعل البعض يعتقد بأنه يجوز المصافحة، وبالتالي لا يقف الحجاب أو اللحية عائقاً أمامهم في مد يدهم من أجل السلام والمصافحة .
أما بالنسبة لغير المسلم وخاصة في الدول الأجنبية فإنه لجهله بأحكام الإسلام والتي منها حرمة المصافحة بين الجنسين.
فإنه قد يجد في هذا الفعل تصرفاً غير لائق يدل على قلة ذوق وسوء أدب يكرسان لديه نظرته حول رجعية الإسلام وعدم احترامه للإنسان... كل هذا يجعل البعض يتساهل في موضوع المصافحة مستسلماً للضغوطات الاجتماعية التي تمنعه عن تنفيذ ما أمر به الله عز وجل.
ظاناً بذلك أنه يخدم الإسلام برفع تهمة الرجعية عنه، مع أنه لو تفكر قليلاً لتمكن من الاستفادة من هذا الموقف من أجل الدعوة إلى الله.
فيبين حكم الشرع في هذه المسألة، ويعتذر بلباقة من الطرف الآخر ويظهر له بأنه لم يقصد الإهانة والاحتقار وإنما هو ينفذ أحكام دينه، وفي هذه الحالة يكون موقف الطرف الآخر واحد من اثنين فهو إما أنه سيحترم هذا الدين الجديد بعد أن تعرف على بعض أحكامه.
أو يمكن أن يبقى على انزعاجه وامتعاضه ... إلا أنه من المؤكد أنه لن يمد يده في المرة القادمة كي يسلم عليه أو على أي شخص ملتزم .
نقطة مهمة ينبغي التنبيه لها هو أن هذا الحرج قد يأتي من الشخص نفسه، وذلك عندما لا يساعده مجتمعه على الالتزام بعدم المصافحة، فلقد تتحجب المرأة ولكن بيئتها لا تكون كذلك، لذلك تجدهم يلزمونها على المصافحة خاصة أنهم اعتادوا منها ذلك.
وهي إن لم تفعل سيعتبرون هذا الفعل دليل تشدد من قبلها يجعلهم يعيدون النظر في حجابها خوفاً من أن تسلك طريق التطرف.
مما يجعل المرأة تتغاضى عن أمر المصافحة محافظة على حجابها ...
وهنا يقع الخطأ الأكبر لأنها بتساهلها في البداية قد تعجز عن تصحيح الوضع في المستقبل، فليس هناك من فرصة أفضل من بداية الالتزام من أجل حصول التغيير الجذري في حياة المسلم .
الكاتب: د. نهى عدنان قاطرجي
المصدر: موقع المستشار